سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

أهل القانون وأهل اللغة

طوال محاكمة الرئيس حسني مبارك تجنبت التعبير عن ظاهرة مؤلمة وهي الأخطاء اللغوية الكثيرة على لسان أهل القانون، وسبب الامتناع هو تجنب مظهر الأستذة. والأمر لا يحتاج إلى أستذة ومجمع لغوي وافرنقعوا عني، لأن أخطاء السادة رجال القانون كانت من قبيل الفاعل والمفعول به (أجل هذا هو التعريف اللغوي) ومن قبيل المبتدأ والخبر، وأحيانا، أو غالبا، من باب الرفع بعد حرف الجر. واللغويون هم أيضا من قال في الجر والمجرور، والنصب والمنصوب، والرفع والضم والكسر، وكلها، كما ترى مستوحاة من حركات الجسد، شرط أن يكون صاحبه قويا.
لكن ما دامت هذه مدارس اللغة، فليس لنا، أو علينا، إلا أن نقبلها، إلى أن يقرر أهل المجامع الحديثة أن القواعد وضعها بشر بعد التنزيل، وبالتالي، فهي غير مقدسة كالنص. وفي زعمي أن عالما لغويا مثل فاروق شوشة في القاهرة، قد لا يكون أقل معرفة وقدرة من زميل له في المعرفة قبل ألف عام.
إذن، لست ضد تحديث القواعد، لكنني ضد الخطأ فيها (أو بها) وهذا ما كرره السادة رجال القانون في مصر على مسمع من أهل الأمة، من قضاة ومستشارين ومحامي دفاع ومدّعين. ولم يُمتحن الشهود، أو المتهمون، لأن كبيرهم كان يكتفي بكلمة واحدة «موجود» أو «أفندم». ويشهد الرئيس مبارك أنه كان يحرص دائما على كتابة خُطبه خوفا على عين المضارع وتجنبا للتسكين في باب السلامة.
تجنبت، تأدبا، الإشارة إلى كل ذلك برغم ما تعنيه لي اللغة ومصر والقانون. لكن الآن يثير هذه المسألة الزميل أحمد الدريني في «المصري اليوم»، وسط ترحيب لا سابق له من القراء (مليون ونصف مليون: «أعجبني»، حتى الآن). ويقول الدريني إن أهل القانون ينفرون من اللغة بسبب الأخطاء غير المقبولة، بينما أساتذتها يُنفِّرون تلامذتها بسبب الأحجيات التي لا يمكن هضمها. فقد ورد في أحد الامتحانات سؤال: «ما هو جمع كلمة الوحي»؟ أي افرنقعوا أيها السادة، فما بالكم تكأكأتم علينا؟
لا نستطيع أن نحيا الآن بلغة الأصمعي. وخارج المسرح لم يعد أحد يكتب تعابير شكسبير. وليس مطلوبا من المهندس أو الطبيب أو مدير البنك ألا يخطئ في استخدام اللغة، لكن أهل القانون – مثل أهل الصحافة – وكل من يشتغل في اللغة كعمل، يجب أن يدركوا أن النسبة المسموحة في الخطأ محدودة ومحددة أيضا. فما يجوز، تجاوزا، في المبتدأ والخبر لا يمكن أن يجوز في الرفع والضم والكسر إلا إذا كان الأمر متعلقا بحتى. عندها، لا يحل المسألة حتى الموت بنفسه.