عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

اتفاق الرياض التكميلي وقطر

لم تتضح بعد كافة تفاصيل اتفاق الرياض التكميلي مع دولة قطر الشقيقة، التي تم الإعلان عنها الأسبوع الماضي عقب قمة مجلس التعاون الخليجي الاستثنائية التي عقدت في الرياض.
يهمنا هنا أن العواصم الخليجية الثلاث الرياض وأبوظبي والمنامة قد قررت إعادة سفرائها إلى الدوحة، وهو ما يمنح مؤشرا متفائلا بأن شيئا ما قد حصل في القمة يستحق إطلاق مثل هذا القرار المهم، ويبقى على المراقبين غير المطلعين على خبايا المفاوضات وتفاصيل الاتفاقات أن ينتظروا حتى يروا النتائج على الأرض في السياسات الإقليمية كما في التوجهات الإعلامية.
تاريخ العلاقات الخليجية وبالتحديد مع دولة قطر الشقيقة معروف خلال العشرين سنة الماضية، واشتداد الاختلاف والسياسات معلوم خلال السنوات الأربع الماضية بعد ما كان يعرف بـ«الربيع العربي»، وهو في الواقع الربيع الأصولي المستشري والداء العضال.
كل شيء في السياسة ممكن، ولولا ذلك لكانت عقيدةً أو آيديولوجيا، ولكن دفع دولة ما لتغيير سياساتها يحتاج لتخطيط محكم تقوده المصالح ولتقديم خيارات تكون لها الأفضلية لديها عن السياسيات الخاطئة، وأن تعلم أن نجاتها هي جزء من نجاة أشقائها وحلفائها الحقيقيين.
لم يكن سهلا على طول التاريخ وعرض الجغرافيا أن تتخلى الدول المغامرة عن طموحاتها، وأن تعود للرشد وتختار الطريق الأكثر استقرارا ونجاحا وظفرا، وليس غريبا أن يرحب الكل بأي خطوات تدفع بهذا الاتجاه.
من المشكلات التي خلقها الاتفاق الجديد أن البعض الذي يقرأ السياسة آيديولوجيًا ظن أن هذه فرصته لطرح مشاريعه وأفكاره، والعيب على مخالفيه في الآن ذاته، بمعنى توسع الطروحات التي ترى أن موقف الدول العربية التي تقودها السعودية والإمارات ومصر تجاه الإخوان المسلمين هو موقف خاطئ، وسياسة فاشلة يجب التراجع عنها، وهذا ما يجب الحذر منه. إن أي اتفاق سياسي له شروط معينة وآليات متابعة ومؤسسات تراقب التطبيق وتدقق في التفاصيل حتى توصله لبر الأمان واكتمال المشروع.
يعلم الجميع أن اتفاقا كهذا حين يتم تطبيقه سيمثل انطلاقة جديدة لا لمجلس التعاون الخليجي فحسب، بل للمنطقة ككل، وأنه سيصب في سبيل توحيد الصف العربي وزيادة قوة الدول العربية المتحالفة ضد المشاريع المعادية في المنطقة والعالم، ومن هنا يمكن إجمال الخطوات المهمة التي أعقبت الاتفاق والتي تبين عن مدى جديته.
تم توقيع الاتفاق في الرياض ثم أصدرت الدول الخليجية الثلاث قرارا بعودة السفراء إلى الدوحة، أعقب ذلك بيان شاف لخادم الحرمين الشريفين دعا فيه الدولة المصرية لفتح صفحة جديدة مع الدوحة وأيدت دولة الإمارات العربية المتحدة البيان الملكي، ورحبت مصر به، وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مصر ستهيئ المناخ اللازم للاستجابة لدعوة العاهل السعودي.
عمليا، كانت البداية هي تغيرا طفيفا في خطاب قناة الجزيرة القطرية تجاه مصر، بحيث أصبحت لأول مرةٍ تسمي الرئيس السيسي بـ«أول رئيس منتخب» ومعلوم أن تغيير لغة الخطاب الإعلامي أسهل وأسرع في التطبيق والظهور للعلن من تغيير السياسات العامة التي تحتاج وقتا لتبدو ظاهرة للمراقبين والمتابعين.
إن الخلافات السياسية العميقة والتي تستمر زمنا غير قصير لا تحل بين عشية وضحاها، ولكن هذا لا يمنع من افتراع حلول جديدة واجتراح رؤى جامعة تدفع باتجاه التقارب وجمع الكلمة، ولو لم يكن ثمة تغير مهم في السياسات والمواقف لما كان لكل هذه الإجراءات أن تتم بهذه السرعة وهذا التتابع مما يبعث برسالة تطمين بأن مجلس التعاون الخليجي قد استطاع تجاوز واحدة من أصعب أزماته التي مرت به منذ إنشائه.
إن خلق المخارج للأزمات السياسية واعتمادها والتوافق عليها لا يعني خطأ التحليلات التي كانت ترصد الخلافات أثناء الأزمات، فهي تبقى تحليلات صائبة كانت لديها القدرة على رصد مواطن الخلل في العلاقات والإشارة بإصبع البحث والرصد للمعلومات والحقائق وإلحاقها بنتائجها التي تدل عليها، ولولا معرفة تفاصيل الأزمات ورصدها وتحليلها لما أمكن قيام التفاوض، وبالتالي إيجاد المخارج ورسم طرق الحلول.
عرف عن الملك عبد الله محبته للسلام والمصالحة في المنطقة وبين الدول العربية تحديدا، وهو الذي قاد محاولة تاريخية للمصالحة مع الدول العربية المنتمية لما كان يعرف بمحور الممانعة في قمة الكويت، قبل ما كان يعرف بالربيع العربي، وهو اليوم يقود إعادة توحيد الصف لمجلس التعاون الخليجي بحكمة وصبر مقرونة بالحزم والعمل ويدعو لاستعادة الصف العربي، هذا مع التأكيد أنه بات اليوم عمليا يقود العالم العربي ويحمي مصالح العرب في كل الصراعات الإقليمية والدولية.
لا شيء دائم في السياسية، لا التحالفات ولا العداوات، ومن هنا فإن حديث الأزمات يختلف عن حديث المصالحات، وهذا أمر طبيعي، إن أحدهما لا يلغي صحة الآخر ولكن لكل مقام مقال، وإنما تقوم المصالحات بعد ثبوت الأزمات وتوثيق الخلافات، وكلما تم تحديد الخلافات بتفاصيلها كان أنجح للمصالحات.
كل شيء اليوم معلق بمدى التطبيق العملي للاتفاق التكميلي الذي لم تعلن كافة تفاصيله بعد، فهو وحده الذي سيحدد مدى النجاح الذي سيحققه الاتفاق، ذلك أن مستوى الالتزام العملي هو الذي يفتح الآفاق لمستقبل أكثر توافقا وتقاربا حين يكون كبيرا وظاهرا، بينما أي تدن في الالتزام يؤثر بالتالي على المستقبل والنتائج المعقودة على الاتفاق.
إن الخلاف تجاه الدولة المصرية والشعب المصري حظي بالأهمية التي يستحقها، ولكن هذا لا يلغي وجود خلافات بينية بين بعض دول الخليج ودولة قطر، وهي خلافات سيخرج تدريجيا طبيعة الحلول التي أوجدت لها وهي التي ستكون ضامنة لاستمرار الاتفاق ومنحه مزيدا من النجاح والقوة.
الفرح بالاتفاق مشروع، وبالذات لمن يعرف تفاصيله ومداه، فنحن بحاجة للتقارب وتوحيد الصفوف في ظل الأزمات التي تعصف بالمنطقة من حولنا، والصلح على أسس معروفة وآليات منضبطة يكون قابلا للاستمرار.
أخيرا، هل ثمة أسئلة ستبقى بعد هذا؟ الجواب هو نعم، ستبقى الأسئلة دائما تتخلق حتى تلتقي بإجاباتها، والتوازنات السياسية التي تطمح للمصالحة والمضي قدما، لا يمكن أن تغفل إمكانيات الزلل والتأخر من حساباتها، ومع كل الأماني العِذاب تبقى الواقعية والعقلانية حكما صلبا تثبته أو تنفيه الأحداث والقرارات والسياسات.